كل الأعمال والمشاريع الناجحة تشير إلى أن وراء هذا النجاح أداءً متقناً ومتميزاً، كما تشير مستويات الأداء المتميز إلى أن وراء هذا العطاء بيئة عمل فاعلة ، وإدارة متفهمة ، وشراكة مثالية بين معطيات العمل بشكل عام. حول كيفية تحقيق الأداء المتميز في العمل يدور تحقيقنا التالي:
رفع مستوى الكفاءة والإنتاج
في البدء تعرف لنا الدكتورة ريم عبد المحسن إبراهيم التميمي مديرة الجمعيات الخيرية ومراكز التنمية الاجتماعية النسائية بالمنطقة الشرقية الأداء المتميز في العمل ومعاييره المطلوب ، بقولها : التميز في الأداء هو رفع مستوى الكفاءة والإنتاج والفعالية في العمل مثل : (إنتاج أعمال خالية من الأخطاء – الوفاء بالمواعيد النهائية لإنجاز الأعمال -القدرة على العمل ضمن فريق – الإلمام بالمهمة (العمل) الماماً تاماً- والتحسين المستمر للعمل والإبداع والتجديد.....الخ.) .
وتضيف د. ريم التميمي أن هناك علاقة بين شخصية الفرد وأدائه المتميز ، وهي المداومة على رفع مستوى العلاقة الإيجابية مع الآخرين مثل : (معاملة الجميع بأدب واحترام – البحث عن الجانب الحسن في الناس والمواقف- إظهار اهتمام خاص بالآخرين – إقامة علاقات فوز و فوز وليس فوز اً وخسارة - حسن الإصغاء – السيطرة على الانفعالات – الاعتراف بالأخطاء – كتمان الأسرار – لفت نظر الناس لأخطائهم بطريقة غير مباشرة بإعطاء تقييم أمين ومحدد .. الخ.
وعن العلاقة بين نمط القيادة الإدارية والأداء المتميز للفرد تؤكد د. ريم التميمي أن هناك علاقة وثيقة فالإدارة التي تقوم على الاستبداد بالرأي والتعصب وإتباع أساليب الأوامر والتعليمات والتدخل في تفصيلات عمل الآخرين تخلق جواً مشحوناً بالمشكلات والتعقيدات التي تظهر آثارها السلبية بمجرد غياب عنصر الخوف والتسلط ، وهناك القيادة المثالية التي تحافظ على تفكير واضح ومنطقي رغم المتاعب وتبحث عن الحقيقة وتمسك بها بكل إصرار مهما كلف الأمر وتثبت في المأزق بكل صبر ولو انسحب الجميع من حولها وتحكم بدون تحيز لآرائها وتصرفاتها الشخصية وتعترف بأخطائها بكل صدق وأمانة وهي التي تحقق الأداء المتميز .
وتضيف د. ريم التميمي أن نظام الحوافز يختلف من مؤسسة إلى أخرى وذلك حسب طبيعة ودور كل مؤسسة داخل المجتمع، غير أنها في النهاية لا تختلف عن كونها حوافز ذات شقين رئيسين هما: (حوافز مادية - وأخرى معنوية) كما أن هناك عدة طرق تتخذها كل منظمة على حدة لتوظيف هذه الحوافز للوصول بها إلى أقصى درجة من الاستفادة بالنسبة لكل من الموظف والمؤسسة، والإنسان في تقدمه ضمن عمله ولمواصلة العطاء وزيادة مستواه ورفع كفاءة إنتاجه كماً ونوعاً بجانب التدريب واكتساب الخبرة، يحتاج إلى حوافز العمل والتي تتمثل في الكسب المادي، أو في الكسب المعنوي، والذي يتمثل في التقدير، أو كليهما معاً بهدف حفز الموظف ودفعه لزيادة إنتاجه كماً ونوعاً لإشباع حاجاته، كما أن الحوافز يجب أن تركز على مكافأة العاملين عن تميزهم في الأداء، وأن الأداء الذي يستحق الحافز هو أداء غير عادي.
العلاقة بين الموظف والمراجع معيار التميز
ومن جانبه يرى الخبير الإداري الأستاذ يوسف القبلان، مدير التنمية الإداريةبكلية اليمامة أن تحقيق الأداء المتميز في العمل هو مطلب كل منظمة لأنه يعنى تحقيق الأهداف والتطلعات الموضوعة .. لكن عند الحديث عن كيفية تحقيق الأداء المتميز في العمل خاصة في بعض الجهات الحكومية الخدمية لابد أن نتطرق إلى واقع العلاقة بين الموظف والمراجع كمعيار التميز في الأداء ، لأن الحديث سيتركز في الغالب على سلوك الموظف وحقوقه وواجباته، وما ينبغي عليه أن يفعله لخدمة المراجع بشكل متميز يحترم حاجة المراجع ويقدر المسؤولية التي كلف بها في مجال الخدمة العامة فالأضواء دائماً تسلط على سلوك الموظف. من هنا فإن التميز في العمل يبرز أكثر في القطاع الخاص أكثر من القطاع الحكومي، حيث تحرص الإدارة على إرضاء الزبون وكسبه وضمان استمراريته ، وتحاسب الموظف الذي يقصر في أداء الخدمة. أما واقع بيئة العمل في القطاع العام فإن الصورة لن تكون مماثلة للأولى فهنا أغلب الموظفين يعرفون واجباتهم لكنهم قد لا يعيرون أهمية لمسألة كسب المراجع واستمرار علاقته، على اعتبار أن العمل الحكومي عمل غير ربحي، ومع ذلك يوجد كثير من الموظفين المتميزين في أدائهم وأخلاقياتهم، وهؤلاء لديهم القدرة على إرضاء المراجع على الرغم من أنهم موظفون في القطاع العام الذي قد لا يحصلون فيه على التحفيز الذي يحصل عليه الموظف في القطاع الخاص على اعتبار أن واجب الموظف الحكومي أن يقوم بمسؤولياته حسب المعايير المحددة للأداء، ومن واجبه أن يقدم الخدمات للمراجعين بنفس المستوى. ولكن ماذا عن الأداء المتميز؟ وماذا عن الأداء الإبداعي؟وماذا عن الأداء الذي يتجاوز تلك المعايير؟ المأساة هي أننا نعامل الموظف المتميز مثلما نعامل الموظف الذي يؤدي عمله بشكل روتيني لا تجديد فيه ولا إبداع ، أما ذلك الموظف الذي يبتكر الطرق والأساليب الناجحة لخدمة المراجعين وإرضائهم، والإسهام في وضع الصورة الجميلة للجهاز الذي يعمل فيه في المجتمع، مثل هذا الموظف قد لا نقول له حتى كلمة شكراً !!.
تقديم الحوافز للموظف وتهيئة العمل
ويقول الأستاذ الدكتور ابر هيم بن عبد الواحد عارف، عضو لجنة المسابقات الوظيفية بجامعة الملك سعود و المشرف على إدارة التعاون الدولي والجمعيات العلمية بجامعة الملك سعودإنه لكي نحقق الأداء المتميز في العمل لابد من تقديم العديد من الحوافز للموظف، وتهيئة بيئة العمل بالشكل الذي يليق بالأدوار التي يقوم بها الموظفون ؛ من خلال وضع معايير لقياس الأداء ليثاب الموظف المتميز فقط وليس الكل .و لابد كذلك من ربط نظام الأداء المتميز للموظف بنظام الترقيات وبمكافأة الزيادة السنوية لرواتب موظفي القطاع الحكومي، بما يشجع على التميز في الأداء ، كذلك أرى أنه من المهم إجراء استطلاع لقياس آراء الموظفين بمختلف مستوياتهم ومعرفة آرائهم وانطباعاتهم عن جميع جوانب العمل والقيام بقياس رضا الموظفين الوظيفي لمعرفة أهمية تحسين البيئة التي يعمل بها الإداريون لكي يحققوا معدلات أداء عالية ومتميزة ، وفي هذا الجانب لابد أن نتطرق إلى أن المدير هو المحفز الرئيس وهو من يحرك ويشجع موظفيه نحو الأداء المتميز أو العكس، لأن كثيراً من الدراسات الإدارية على مستوى العالم ترى أن السبب الرئيس في عدم الوصول للأداء المتميز في العمل يعود إلى المديرين، فعلاقة المدير بموظفيه هيعلاقة مهمة حساسة وأساسية لنجاح أيمنظمة مهما كان نوعها ونشاطها،و تقدير المديرين للموظفين المتميزينيعتبر من أهم الوسائل للمحافظة على عطائهم وإشراكهم فياتخاذ القرارات وحل المشكلات والإبداع والابتكار وزرع القيم وغرس الإحساس لديهم بأنهم عصب المنشأة، وأنهم جزء لا يتجزأ من نجاح إدارتهم أو منظمتهم ، أما ضعف القيادة الإداريةفيعتبر السبب في عرقلة سير العمل وضعف التميز و الإبداع وتدني الإنتاج.
الأخطاء الإدارية
لكن ما هي الأخطاء الإدارية التي يقع فيها المديرون، والتي تؤدى بالتالي إلى ضعف الأداء المطلوب لدى الموظفين ؟ .
يرى الدكتور طارق السويدان، المفكر الإسلامي والمحاضر الإداري المعروفأن كل مدير لديه مجموعة من الأخطاء الإدارية التي تؤثر على الإنتاجية والأداء المتميز المرغوب، و قد لا يعرفها البعض منهم ولا بد أن ينبه لها لتجنبها ، لعل أبرزها أن بعض المديرين يظن أنه يستطيع وحده إدارة العمل والأفراد بدون مشاركة الآخرين، علماً أن الإدارة هي عملية مشتركة ، أيضاً يعتقد بعض المديرين أن أسلوب الأمر والنهى هو الأسلوب الناجح، رغم أنه من الأساليب التي ثبت فشلها ولا يعتمد عليها حتى الآن إلا المديرون السيئون.
ويضيف د. السويدان إن وضع الرجل المناسب في المكان المناسب هو مبدأ إداري سليم ، لكن إذا نظرنا إلى واقع القطاعات الحكومية في العالم العربي نرى أن المتخصص في الكيمياء الحيوية يعمل مسئولاً للعلاقات العامة ، والمتخصص في الجغرافيا يعمل مسئولاً عن التطوير الإداري ، والمتخصص في الإدارة مسئولاً عن التقنية والطباعة الفنية.. وهنا لابد أن نعرف أنه توجد مشكلة إدارية من تبعاتها ضعف الأداء، وبالتالي ضعف تميز العمل.
وعن أهمية البحث في أسباب الخطأ وعوامل الإنجاز واستخدام التحفيز ببعض الإيجابيات للارتقاء بمستوى الجودة والتميز في العمل ، يؤكد د. السويدان من وجهة نظره على أن هناك جانباً مهماً في موضوع تحقيق الأداء المتميز في العمل هو المساواة بين الموظفين، لأنه مبدأ يظلم كثيراً من أصحاب المواهب في حين أن العدل مبدأ لا يظلم أحداً، و الفرق بين المساواة والعدل أن المساواة تقتضي تساوي الجميع في العطاء والمنع، رغم اختلاف قدراتهم وصفاتهم وتميزهم ، إلا أن العدل يعطي لكل ذي حق حقه. كذلك من أخطاء المديرين التي لا ينتبه لها البعض وتؤدى لضعف الأداء هو أن بعض المسئولين يصدر أحكاماً مسبقة على أحد الموظفين قبل أن يجلس معه ويسمع منه ويقبل من كلامه ويقتنع ويتناقش معه لتفعيل جوانب العطاء لديه، فالابتكار وظيفة من وظائف القائد الإداري ينتظرها الآخرون منه، كذلك فإن الرؤية المستقبلية للعمل دليل نجاح القيادة في الإحاطة بالمتغيرات وقصور الرؤية دليل القصور.
لا يمكن للجميع القيام به
لكن.. هل الأداء المتميز في بيئة العمل يمكن لجميع الموظفين القيام به ؟
تجيب الأستاذة أسماء محمد الفوزان، مسئولة الشئون المالية في كلية التربية للاقتصاد المنزلي بجدة : أن الأداء المتميز هو الأداء الذي لا يمكن للجميع القيام به، وإنما يُقدم من موظف أو موظفة متميزة، وغالبا ما تكون محبة للعمل الذي تقوم به ، أو تؤدي بتميز للوصول لهدف معين.
وتشير أ. أسماء الفوزان إلى أن هناك علاقة بين شخصية الفرد وأدائه المتميز ، فشخصية الفرد ذي الأداء المتميز غالبا لا ترضى بالأداء العادي أو إنهاء الأمر على أي صورةٍ كانت والمساواة بالآخرين، بل تحاول دائما أن تأتي بالأفضل والأكمل وتبحث عن التميز الذي لم يستطع الغير الوصول إليه ، وتضيف أن هناك علاقة بين نمط القيادة والأداء المتميز للفرد، فعند مواجهة الشخصية ذات الأداء المتميز بقيادة متسلطة أو غير مرنة تعيق جميع الإنجازات وتعطلها، أو قيادة لا مبالية بنوعية الإنجاز ودرجته , تُحبَط هذه الشخصية المتميزة وترى أن التميز وغيره متماثلان ولا داعي للاجتهاد مع هذه القيادات التي ترى الأمر سواء . والعكس صحيح مع القيادة المتميزة والمرنة التي تقدر الفرق في الأداء.
وتؤكد أ. أسماء الفوزان على العلاقة بين مدى وجود الحوافز والأداء المتميز للفرد، فوجود الحافز قد يدفع حتى بغير المتميز إلى محاولة التميز للحصول على هذه الحوافز، مع إدراك أن درجة توافق طبيعة عمل الفرد وتخصصه العلمي لها دور في تميز أدائه، فهو أقدر من غيره على فهم العمل ، وأن هناك علاقة طردية بين بيئة العمل المادية وأداء الفرد المتميز ، فكلما ارتفع مستوى بيئة العمل المادية ارتقى أداء الفرد المتميز ، وهذه العلاقة تأتي في الدرجة الأخيرة في التأثير على الأداء المتميز ، فهي ليست بأهمية علاقة شخصية الفرد وأدائه المتميز ، وعلاقة نمط القيادة والأداء المتميز للفرد , فالتميز في الأداء من الممكن أن يكون بأقل الإمكانات المادية مادامت الظروف الأخرى مهيأة .
أحب وظيفتي
و في السياق ذاته يقول سلطان بن نايف العودة، رئيس قسم علاقات المراجعين في أحد المصارف ، وأحد الإداريين الشباب الذين فازوا بجائزة الأداء المتميز لعام 2007م، مستعرضاً العوامل التي ساعدته على تحقيق جائزة الأداء المتميز : أحب وظيفتي وعملي بشكل كبير، والمسئولون يوفرون لي مناخاً إدارياً مثالياً ويقدرونني، ولا يمانعون في التحاقي بدورات تدريبية لتطوير قدراتي ومهاراتي ، بل إن المدير الإداري المسئول المباشر عني يقدم لي حوافز مالية نظير تميزي في العمل وارتفاع إنتاجيتي التي أحرص على أن تكون في الشهر الحالي أفضل من الشهر الماضي ، وبصراحة أنا أشعر في عملي بالمتعة رغم ساعات العمل الطويلة، إلا أنني أنتظر بدء العمل في اليوم التالي ، و في قسم علاقات المراجعين أستمتع بالعمل لأنني أشعر فيه بالمساهمة في تنمية العمل وتطوره للأحسن، وفي إدارة برامج عديدة داخل المصرف منها برنامج الاقتراحات الذي لا يقتصر على ما يكتبه ويقترحه المراجعون فحسب، بل يشمل دائرة أكبر وهي جمهور البنك وعملائه بشكل عام.
تشعر الفرد بمكانته وكيانه
وتقول الأستاذة لينة علي الصادق، قسم التطوير والجودة النسائي بوزارة الداخلية : إن وجود الحوافز عامل مؤثر في تحقيق الأداء المتميز للفرد، لأن الحوافز المشجعة للأداء تحقق للكوادر البشرية العاملة داخل المنظومة ما لا يمكن تصوره، فهي تشعر الفرد بمكانته وكيانه وبأنه مقدّر في محيط عمله وبأن ما يبذله من جهد وعطاء هو محل احترام وتقدير من قبل رؤسائه ، كما أن ديننا الإسلامي الحنيف اهتم بهذه النواحي التشجيعية ، فالعمل والجهد والإتقان والأداء المتميز يحتاج إلى مكافأة والى دافع والى تقدير، ويحتاج كذلك إلى تشجيع للمواصلة والمثابرة على التقدم والعطاء ، والحوافز هي بمثابة المكافأة أو المقابل للأداء المتميز ، و علماء الإدارة يعتبرون التحفيز منطلقاً للفكر الإداري ، ولكن للأسف نرى الخلل الواضح في بعض المنظومات والدوائر الإدارية في تطبيق مبدأ الثواب والعقاب، فقد يلجأ بعض المديرين للتفنن في إتباع أساليب متنوعة في العقاب مثل الحسم أو الإنذار أو لفت النظر أو سوء المعاملة للموظف في حالة ارتكابه أى خطأ، وفي المقابل يغفل هذا المدير أو يتغافل عن تقدير جهود هذا الموظف أو ذاك، مما يؤدى إلى الخلل وعدم التوازن، فالمدير الناجح هو الذي يتميز بشخصية إيجابية سوية في التعامل مع صغار الموظفين فبل كبارهم، فليس من الضروري أن يكون الحكم هنا مادياً بحتاً، ولكن هناك أيضا الناحية الإنسانية والرقى في التعامل مع الغير ، فهناك من الموظفين من تكون تأثير الكلمة الطيبة الصادقة النابعة من نفس نقية محبة لها وقع كبير على نفسه ما يفوق التقدير المادي، مما يجعل الموظف يعمل بكل جد وإخلاص.
0