البرنامج العلاجي المعرفي السـلوكي
إعداد: د حامد الغامدي
من رسالة الدكتوراه
العلاج المعرفي السلوكي أسلوب علاجي يحاول تعديل السلوك والتحكم في الاضطرابات النفسية من خلال تعديل أسلوب تفكير المريض وإدراكاته لنفسه وبيئته .
قام الباحث بإعداد برنامج العلاج المعرفي السلوكي لتخفيف اضطراب القلق، والرهاب الاجتماعي لدى عينة من المرضى تتراوح أعمارهم ما بين 18-45سنة ، وذلك لاستخدامه كأداة في هذه الدراسة:
لذا قام الباحث بوضع تصور لبرنامج العلاج المعرفي السلوكي للمرضى الذين يعانون من اضطراب القلق والرهاب الاجتماعي .
فقد اعتمد الباحث على الإطار النظري الإكلينيكي الذي قدمه إرون بيك Beck, A وزملائه وبعض البرامج العلاجية التي أُجريت في مجال العلاج المعرفي السلوكي، لبناء هذا البرنامج الذي سوف يقدمه الباحث، ولهذا يمكن القول بأن العلاج المعرفي السلوكي، والذي يتبناه الباحث في بحثه الحالي من العلاجات النفسية الحديثة نسبيًا، والذي يركز على كيفية إدراك الفرد للمثيرات المختلفة وتفسيراته لها، وإعطاء المعاني لخبراته المتعددة . ويستند هذا النمط العلاجي على التشغيل المعرفي للمعلومات الذي يرى أنه خلال فترات التوتر النفسي يصبح تفكير الفرد أكثر جمودًا وأكثر تشويهًا، وتصبح أحكامه مطلقة، ويسيطر عليها التعميم الزائد. كما أن هذا العلاج يتسم بالفاعلية والتنظيم والتحديد بوقت معين .
وتشير الدراسات الأجنبية والعربية إلى أن العلاج المعرفي السلوكي وسيلة في علاج كثير من الاضطرابات النفسية أو السلوكية .
وبالنظر إلى النتائج الإيجابية للدراسات السابقة يفترض الباحث الحالي أن العلاج المعرفي السلوكي يمكن أن يكون فعالاً في علاج اضطراب القلق والرهاب الاجتماعي.
أ هداف البرنـامج : وتشمل ما يلي:
- بيان فاعلية العلاج المعرفي السلوكي بمساعدة تدريبات الاسترخاء في خفض حدة اضطراب القلق والرهاب الاجتماعي لدى المرضى المشاركين في هذا البرنامج العلاجى.
- تدريب المرضى على رؤية العلاقة بين الأفكار والمشاعر.
- تدريب المرضى على المراقبة الذاتية للأفكار والتخيلات السلبية وإخراجها إلى حيز التفكير.
- تدريب المرضى كيف يستطيعون استبدال المعتقدات الخاطئة والتصورات السلبية بمعتقدات إيجابية .
- تعديل الاتجاهات السلبية باستخدام إعادة البناء المعرفي والتي تتمثل في إحلال الأفكار الإيجابية محل الأفكار السلبية .
- تدريب المريض على فنية الاسترخاء.
- تدريب المريض على القيام بكل ما سبق كواجبات منزلية.
أهمية البـرنـامج:
تتضح أهمية البرنامج الحالي من الأساليب والفنيات التي يقوم عليها البرنامج، وذلك باعتبارها فعالة في علاج الاضطرابات النفسية، وتكمن أهمية البرنامج في وضوح النظرية المعرفية حيث تشمل على الجانب المعرفي والجانب السلوكي ولم اقتصر على جانب واحد، كما تتضح أهمية البرنامج في قصر الفترة الزمنية مقارنة بالأساليب العلاجية الأخرى .
الأسس التي يقوم عليها البرنامج المعرفي السلوكي :
يقوم هذا البرنامج العلاجي على مجموعة من الأسس الهامة وهي :
1 - الأسس العامة : وتشمل هذه الأسس مراعاة مرونة السلوك الإنساني، وحق المريض في التقبل دون قيد أو شرط، وكذلك حقه في العلاج النفسي، كما راعى الباحث الأسس الهامة التي يقوم عليها العلاج المعرفي السلوكي وهي قابلية السلوك للتعديل والتغيير والتدريب وضرورة الاستمرار في جلسات العلاج النفسي .
2 - الأسس الفلسفية : استمد هذا البرنامج أصوله الفلسفية من النظرية المعرفية السلوكية بشكل عام، وكذلك مراعاة طبيعة الإنسان، وأخلاقيات العلاج النفسي، ومن سرية المعلومات .
3 - الأسس الاجتماعية : وهذه الأسس تشمل الاهتمام بالفرد ككائن اجتماعي يتأثر ويؤثر في البيئة التي يعيش فيها، وأن الضغوط الاجتماعية تؤثر على شخصية الفرد. فالباحث استخدم أسلوب العلاج المعرفي السلوكي، حيث أظهرت الدراسات أن هذا الأسلوب ذو فاعلية في علاج الاضطرابات النفسية .
4 - الأسس الفسيولوجية والعصبية : يجب أن يتأكد الباحث من قيام الجسم بجميع وظائفه والخلو من الأمراض الجسمية والعضوية التي تؤثر على الناحية النفسية، فالباحث استخدم فنية الاسترخاء، حيث أن هذه الفنية تساعد الجسم إلى الوصول إلى حالة الاسترخاء التام .
المكونات الأساسية لبرنامج العلاج المعرفي السلوكي :
تتكون كل جلسة علاجية من مزيج من أربع مكونات علاجية أساسية وهي:
1- تقديم معلومات حول اضطراب القلق واضطراب الرهاب الاجتماعي، مما يساعد المرضى على فهم العمليات التي تتم في الشعور بالضغط النفسي أو القلق والتوتر، فغالباً لا يدرك المرضى أن لهم دوراً في تعقيد مشكلاتهم، وبمجرد إدراك هذا الدور يبدأ المرضى في التغيير نحو الإيجابية، فإن معرفة ما يحدث لهؤلاء المرضى يخفف من إحساسهم بالقلق والتوتر.
2- تعليم المرضى مهارات مواجهة القلق، بحيث يتم تدريب المرضى على بعض المهارات اللازمة للتحكم في اضطراب القلق واضطراب الرهاب الاجتماعي وخفض التوتر والقلق في هذين الاضطرابين.
3- وضع بعض المهام السلوكية المنزلية، حيث يتم تحديد التوقعات في مرحلة مبكرة، وهي أن الباحث يقوم بتقديم التدريب والتوجيه، وأن المريض هو مسئول عن تطبيق تلك المعلومات، بالإضافة إلى ممارسة مهارات المساعدة الذاتية.
4- التركيز على (الهنا والآن) دون الاعتماد الزائد على التاريخ البعيد للمريض.
المستفيدون من البرنامـج :
أعد الباحث هذا البرنامج للمرضى المترددين على العيادة النفسية والذين يعانون من اضطراب القلق، والرهاب الاجتماعي وفقًا للتشخيص الطبي والنفسي .
الخدمات التي يقدمها البرنامج :
يقدم هذا البرنامج عند تطبيقه وبعد تطبيقه خدمات علاجية وخدمات وقائية :
1 - الخدمات العلاجية : وتتمثل هذه الخدمات في مساعدة مرضى عينة الدراسة من مرضى اضطراب القلق واضطراب الرهاب الاجتماعي على خفض أعراض القلق والرهاب الاجتماعي لديهم، وذلك من خلال تعديل الأفكار الخاطئة وإبدالها بأفكار صحيحة وأكثر إيجابية .
2 - الخدمات الوقائية : يقدم هذا البرنامج العلاجي خدمات وقائية هامة لأفراد عينة الدراسة، وهو العمل على أن يكتسب المريض بعض الأساليب المعرفية والانفعالية والسلوكية التي تمكنه من مواجهة مخاطر القلق في المستقبل القريب والتغلب عليه، مثل ممارسة الاسترخاء والتدريب على التخيل والتعريض، والحوار الذاتي وصرف انتباه المريض عن القلق، وغيرها من الفنيات الأخرى .
3 - خدمات المتابعة : يقوم الباحث بعد الانتهاء من البرنامج العلاجي بدراسة تتبعية لمرضى اضطراب القلق واضطراب الرهاب الاجتماعي حتى يمكن التعرف على مدى الاستفادة من العلاج وعدم حدوث انتكاسة .
مراحل تطبيق البرنامج العلاجي:
يمر البرنامج العلاجي بأربع مراحل وهي:
المرحلة الأولى: وهي التي يتم من خلالها التعارف، والتمهيد، وتبادل المعلومات الشخصية بين الباحث والمريض، وتقديم الإطار العام للبرنامج وأهدافه، وذلك في الجلسة الأولى والثانية.
المرحلة الثانية: وهي المرحلة المعرفية والتي هدفت إلى تقديم خطة التغلب على اضطراب القلق واضطراب الرهاب الاجتماعي من خلال تقديم المفاهيم النظرية والمهارات المعرفية للتحكم في القلق.
المرحلة الثالثة: وهي المرحلة السلوكية وهدفها تقديم تلك الإجراءات وممارستها بعد تقديم المفهوم النظري لها، وذلك من خلال الجلسات.
المرحلة الرابعة: هي المرحلة وهدفها تلخيص الأهداف البرنامج وتهيئة المرضى لإنهاء البرنامج العلاجي.
الفنيات المستخدمة في الدراسة:
يعتمد البرنامج العلاجي على فنيات متعددة ومن أهم الفنيات التي استخدمها الباحث في هذه الدراسة هي:
1- فنية تحديد الأفكار التلقائية والعمل على تصحيحها.
The Technique of identifying automatic ideas and correcting them
يقصد بالأفكار التلقائية، تلك الأفكار التي تسبق مباشرة أي انفعال غير سار، وهذه الأفكار تأتي بسرعة كبيرة وبصورة تلقائية، وأحيانًا بدون أن يلاحظها الشخص، وهي أفكار غير معقولة، وتكون السبب في الانفعال غير الصحيح لحدث معين، والأفكار التلقائية هذه دائمًا ما تكون ذات صفة سلبية لحدث أو حالة معينة، وبالتالي تؤدي إلى توقع نتيجة غير سارة في النهاية. وتهدف هذه الفنية إلى محاولة التعرف على تلك الأفكار ومن ثم تبديلها بأفكار إيجابية تؤدي إلى نهاية حسنة, ولذلك يطلب من المريض أن يسجل الواجبات اليومية على ورقة ويدون فيها كل الأفكار التلقائية التي مرت بذهنه في كل يوم يمر به, وتعتبر هذه الواجبات اليومية جزء من العلاج.
ويرى بيك (2000، 189) أن الشخص قد يكون غير مدرك تماما للأفكار التلقائية التي تؤثر كثيرًا على أسلوب المريض وشعوره ومدى استمتاعه بخبراته، غير أنه يستطيع بشيء من التدريب أن يزيد إدراكه لهذا الأفكار ويتعرف عليها بدرجة عالية من التناسق، وفي هذه الفنية يطلب المعالج من المريض أن يركز على تلك الأفكار والصور التي تسبب له ضيقًا لا مبرر له، أو تدفعه إلى سلوك سلبي انهزامي . ونجد أن الأفكار التلقائية تزداد قوة وبروزًا بزيادة شدة المرض، ففي الاضطرابات النفسية الشديدة تكون الأفكار واضحة كما هو في الحالات الشديدة من الاكتئاب والقلق والبارانويا. ففي القلق مثلاً نجد أن هواجس المريض تتعلق بالخطر. أما الأشخاص اللذين يعانون من اضطرابًا خفيفًا في المشاعر والسلوك فقد تخفى عليه الأفكار التلقائية، وبالتالي لا تجذب انتباهه رغم فعلها في شعوره وسلوكه. وفي هذه الحالات يستطيع الشخص بشيء من التركيز أن يظهر هذه الأفكار بسهولة ويتعرف عليها. وتبدو هذه الظاهرة بوضوح في مرضى الاضطرابات النفسية الخفيفة.
2- فنية المراقبة الذاتية: The Technique of self Monitoring
يقصد بالمراقبة الذاتية في العلاج المعرفي السلوكي قيام المريض بملاحظة وتسجيل ما يقوم به في مفكرة أو نماذج معدة مسبقاً من المعالج وفقًا لطبيعة مشكلة المريض. ويحرص المعالج على البدء في استخدام المراقبة الذاتية بأسرع وقت ممكن خلال عملية التقويم لكي يتمكن من التعرف على مشكلة المريض بشكل يسمح له بإعداد صياغة لمشكلة المريض والاستمرار في استخدامها لمتابعة العملية العلاجية، وبالإضافة إلى ذلك فالمراقبة الذاتية تؤدي في الغالب إلى انخفاض معدل تكرار السلوكيات غير المرغوب فيها لدى المريض وتقدم أدلة تحد من ميل المريض إلى تذكر فشله بدلاً من تذكر نجاحاته.
ويطلب المعالج من المريض تعبئة هذه الاستمارة بتسجيل وقت ومصدر المواقف التي تسبب القلق والخوف، والأعراض الجسدية والأفكار التي صاحبته. ومن الممكن أيضًا أن يقوم بتقييم قلقه بمقياس من (صفر- 100) ليصف كيف يواجه الموقف، ونضع هذه المعلومات أساسًا لتسجيل مدى تكرار نوبات التوتر أو أي أعراض جسدية أخرى، ويساعد المعالج على معرفة مصادر ومظاهر القلق لدى المريض كما تساعد مراقبة الذات المريض على رؤية متاعبه بشكل مختلف فتشجعه على المحاولة, وأن يكون موضوعيًا مع نفسه مما يساعده على تحديد مشكلته بأسلوب سلوكي معرفي متعلم، ومن ثم تستخدم المعلومات من قوائم مراقبة الذات في الجلسة التالية كأساس للنقاش. وتعد هذه الوسيلة وسيلة مقبولة تمامًا، فتتزايد السلوكيات المرغوب فيها وتتناقص السلوكيات غير المقبولة عندما يتم مراقبتها.
3- فنية التعريض : Exposure Technique
هو مكون رئيسي في العلاج المعرفي السلوكي وكذلك في العلاج السلوكي لاضطرابات القلق، وهو يتضمن تعريض الفرد للموقف أو المواقف التي تسبب له القلق، فقد وجد الباحثون في هذا المجال، أن التعريض المستمر على المثيرات التي تسبب القلق ينتج عنه تشتت استجابة القلق لدى الفرد الذي يعاني من القلق، فالتعريض له عدة أشكال يتخذها منها: التعريض التخيلي والتعريض المتدرج، والتعريض في الحي (الواقع) وهذا النوع من التعريض يكون بدون تدرج، ولابد من توفر شروط لهذا النوع من التعريض من أهمها موافقة المريض كما يوجد أنواع أخرى من التعريض منها التعويض بمساعدة المعالج للموقف الذي يسبب القلق بطريقه مباشرة.
الهدف من هذه الفنيه التأثير على الأعراض السلبيه للقلق بإطفائها وذلك بمواجهة المثيرات من ناحية ومواجهة سلوك التجنب الذي هو معزز للقلق من ناحية أخرى وتختلف طريقه التعرض باختلاف مكان المواجهة وأسلوب المواجهة كالآتي :
التعرض من حيث مكان المواجهة ،ويوجد نوعان من المواجهة:
الأول :التعريض الميداني : In Vivo Exposure
وفي هذا النوع من التخيل يتم تصور الموقف التخيلي بدلاً من مواجهته واقعياً والإبقاء عليه حتى التعود عليه وإضعاف القلق. وفي حالة استخدام التعرض الميداني والتعرض التخيلي معًا في الجلسات العلاجية يفضل البدء بالتعرض التخيلي ثم التعرض الميداني ومن ناحية أخرى لا يفضل استخدام التعرض التخيلي في حالات خاصة منها :عندما يعجز المريض على تحديد الأفكار المثيرة للقلق وأيضًا عندما يعاني المريض من اضطرابات في القدرة علي التخيل أو التذكر ويلاحظ أنه عند تعرض المريض إلى المثيرات الواقعية في التعرض الميداني يكون من الطبيعي ظهور أعراض فسيولوجية تدل على القلق والخوف في حين أنه في حالة التعرض التخيلي قد لا تظهر هذه الأعراض وإذا ظهرت تكون بدرجة أقل من هنا تكون أهمية البدء بالتعرض التخيلي قبل التعرض الواقعي .
الثاني: التعريض من حيث أسلوب المواجهة: Exposure by Confrontation Style
يوجد أسلوب للتعرض سواء كان التعرض الميداني أو تخيلهما:.
1- التعريض دفعة واحدة: حيث يتم مواجهة المثيرات دفعه واحدة بدون تدرج وتوجد شروط قبل تطبيق هذا الأسلوب :أهمها اقتناع المريض به ،وطبيعة المثير، كما أن هذا الأسلوب لا يفضل استخدام مع المريض الذين لديهم استثارة عصبية شديدة، لأن هذا الأسلوب يعرض مثل هؤلاء إلى أزمات شديدة أقوى من الإثارة السلبية للمرض نفسه.
2- التعريض المتدرج : حيث يتم تعريض المريض للمثيرات على مراحل متدرجة ،والذي يتكون من خطوات تبدأ من مواجهة المثير الأقل شدة إلى أن نصل إلى المثير أكثر شدة, ويمكن استخدام الاسترخاء مع هذا النوع، كما يمكن تقديم المثير الواحد أكثر من مرة، ويفضل عدم الانتقال إلى مواجهة مثير أخر إلا بعد التأكد من معايشه المريض للمثير المواجه .
3-
4- فنية التخيل: Imagine Technique
لقد بدأت تظهر هذه الطريقة في المجال العيادي في بداية الستينيات من هذا القرن وكان أول من وصفها توماس ستامفل (Thomas Stampfl,1961). واعتمد ستامفل في تطويره لهذا الإجراء نظرية العاملين لمورو (Mowrer,1939)والتي تقوم هذه الفنية على افتراضين أساسين هما:
1- يُكتسب القلق وفق قوانين الاشتراط الكلاسيكي .
2- يولد القلق السلوك التجنبي والذي يتعزز بدوره عن طريق تقليل مستوى القلق، ويرى (مورو) أن المثيرات التي تقترن بالألم أو الحرمان تحدث ردود فعل انفعالية سلبية وهذه الانفعالات بدورها تؤدي إلى استجابات تجنبية دفاعية وتعزز الاستجابات الدفاعية التي تؤدي إلي إزالة أو إيقاف المثير الشرطي الذي يبعث على الخوف أو القلق بنجاح. واعتمادًا على ذلك, يطلب في هذا الإجراء من المريض تخيل المواقف التي تبعث على الخوف لديه .وذلك خلافا لتقليل الحساسية التدريجي ،والذي يشتمل على الانتقال بالمريض تدرجياً من الموقف الأقل إثارة إلى الموقف الأكثر إثارة .يبتدى هذا الإجراء بالموقف الذي يبعث على الحد الأقصى من القلق، بل إن المعالج يهول الأمر وذلك بهدف ابقاء المريض في حالة من القلق الشديد مدة طويلة .ومثال على ذلك : معالج يطلب من المريض تخيل موقف يخاف منه ،وهذا الموقف هو خوفه من الأماكن المرتفعة، بحيث يقول المعالج للمريض تخيل إنك تقف على سطح بناية عالية جدًا وتنظر إلى الشارع وقدماك على ممر ضيق ويداك تمسكان بسور حديدي وتنظر إلى الأسفل فتلاحظ كم تبدو الأشياء صغيرة فتشعر بالرعب وتشعر بنبضات قلبك تتسارع, وكيف أنك لم تعد باستطاعتك التقاط أنفاسك، كما تشعر أن يداك قد تجمدتا من الخوف ويتصبب العرق من جسمك وتحس أنه لم يعد بمقدورك الإمساك بالسور ...الخ
وأشار بيك Beck إلى أن فنية التخيل تستخدم في علاج اضطرابات القلق لتوضيح العلاقة بين التفكير والعواطف، فيطلب المعالج من المريض أن يتخيل مشهدًا أو منظرًا غير سار ويلاحظ استجاباته، فإذا أظهر المريض استجابات انفعالية وعاطفية سالبة عندئذ يبحث عن محتوى أفكاره . ثم يطلب المعالج من المريض أن يتخيل مشهدًا سار يوصف مشاعره حتى يستطيع المريض أن يدرك عن طريق التغيير في محتوى أفكاره التي أثرت في مشاعره، وبالتالي يمكن أن يغير مشاعره إذا غير أفكاره .
وتعتبر فنية التخيل من أفضل الفنيات المساعدة في العلاج المعرفي، فيطلب المعالج من المريض أن يغلق عينيه ويخبره عن التخيلات التي تأتي بخياله تلقائيًا أو تخيل صورة موقف معين يرى المعالج أن له علاقة باضطرابه وذلك بالاستعانة بالمعارف التي سبق جمعها عن المريض . وتسمى هذه الفنية في بعض الأحيان إعادة التخيل أو التصور.
وقد تم حديثاً تطوير بعض الأساليب العلاجية المعروفة باسم الأساليب العلاجية الداخلية أو الأساليب العلاجية الخفية وتشمل هذه الأساليب على استخدام مبادئ الاشتراط الإجرائي على المستوى الفردي بالتخيل ومن هذه الأساليب :
أ- التعزيز الخفي :أو التعزيز الذاتي ويشتمل هذا الأسلوب على أن يتخيل الفرد المعززات التي يرغب فيها بعد تأديته للسلوك والتحدث الذاتي الإيجابي وتخيل المشاهد الإيجابية .
ب- العقاب الخفي :أو العقاب الذاتي، ويشتمل هذا الأسلوب على أن يتخيل الفرد حدوث العقاب بعد تأديته للسلوك أو قيامه بمعاقبة الذات خفية .
ج- الممارسة الخفية :ويشتمل هذا الأسلوب على أن يتخيل الفرد نفسه وهو يقوم بتأدية الاستجابة المطلوبة في أوضاع مختلفة فهي ممارسة سلوكية ولكن بالتخيل .
5- فنية الواجبات المنزلية: Homework Technique
تلعب الواجبات المنزلية دورًا هامًا في كل العلاجات النفسية ولها دور خاص في زيادة فعالية العلاج المعرفي، حيث إنها الفنية الوحيدة التي يبدأ ويختتم بها المعالج المعرفي كل جلسة علاجية، وتساهم في تحديد درجة التعاون والألفة القائمة بين المعالج والمريض، يزدادان أو ينقصان، وذلك يؤثر في طريقة أداء المريض في كل خطوات أو مهام البرنامج العلاجي، ويستطيع المعالج تقوية العلاقة العلاجية بتكليف المريض بعمل واجبات منزلية، ويقدم كل واجب منزلي على أنه تجربة مناسبة لاكتشاف بعض العوامل المعرفية المتعلقة بالمشكلة التي يواجهها حديثًا.
وتستخدم الواجبات المنزلية لتحسين إدراك الأفكار الأتوماتيكية وعلاقتها بردود الفعل الانفعالية, كما أنها تساعد على تقدم العلاج المعرفي سريعًا، وتعطى فرصة للمريض لممارسة مهارات ووجهات نظر جديدة ومنطقية لمعرفة أفكاره المختلة واتجاهاته غير العقلانية ومحاولة تعديلها . كما تعتبر جزء متمم لنتائج العلاج . وتأخذ عدة أشكال فيطلب المعالج من المريض تسجيل الأفكار الأتوماتيكية، والاتجاهات المختلة وظيفياً، أو إجراء تجربة سلوكية أو معرفية لها أهداف محددة ومتعلقة بمشكلته، ويجب أن يلاحظ المعالج أن للواجبات المنزلية دوراً هامًا في زيادة فعالية العلاج المعرفي وتكوين الألفة والتعاون بينه وبين المريض إذ أهتم ببعض النقاط التالية :
1- إعطاء واجبات بسيطة ومركزة ومتصلة بمشكلة المريض .
2- تفسير وتوضيح الأساس المنطقي لكل واجب منزلي .
3- توضيح كيفية إجرائها، والتأكد من استيعاب المريض لهذه الإجراءات .
4- مراجعتها في بداية كل جلسة .
5- تحديد زمن محدد في نهاية كل جلسة لتقرير تلك الواجبات المنزلية .
6- فحص الأسباب الكامنة وراء عدم إتمام الواجبات المنزلية عند بعض المرضى .
في حين قد يؤثر الواجب المنزلي بشكل حرج على فعالية العلاج المعرفي وذلك لعدم قدرة المعالج على شرح فلسفة وأهمية الواجب المنزلي، وسوء فهم بعض المرضى له . ويعتبر بعض المرضى أن الواجب المنزلي اختبار للكفاءة الشخصية، والمهارة الشخصية . كما يجب على المعالج أن يوجه نظرهم إلى أن كل ذلك أفكار محرفة وتسهم في إعاقة العلاج ويحاول فحصها وتصحيحها .
6- فنية الأسئلة السوقراطية والاكتشاف الموجه :
Socratic Question and guided discovery technique
العلاج المعرفي السلوكي عملية تجريبية تعاونية يشترك فيها المعالج والمريض في وضع أهداف العلاج، وجدول أعمال كل جلسة، وجمع الأدلة المنظم لصالح أو ضد اعتقادات المريض بطريقة تشبه الطريقة العلمية لفحص الفروض . ويتم فحص هذه الفروض باستخدام الأسئلة السوقراطية (نسبة إلى سقراط) من قبل المعالج بدلاً من التحدي المباشر لأفكار المريض واعتقاداته إلى جانب الفنيات المعرفية السلوكية الأخرى .
يبدأ المعالج باستخدام الأسئلة السوقراطية مع بداية العلاج ويستمر في ذلك طيلة الجلسات العلاجية حتى نهاية العلاج . وإلى جانب هذه الفنية الأساسية يطرح المعالج أسئلة مباشرة لجمع معلومات حول تكرار وشدة وديمومة (مدة) المشكلة وتدخلات أخرى مثل العكس والإيضاح والتغذية الراجعة، وتثقيف المريض حول النموذج المعرفي وحول ما يفيده في التغلب على مشكلته ثم يبدأ أو يعود إلى استخدام الأسئلة السوقراطية. وتستخدم الأسئلة السوقراطية بأسلوبين مختلفين تبعاً لظروف المريض وظروف المعالج .
في الأسلوب الأول يقدم المعالج وجهة النظر البديلة على المريض مباشرة كأن يشير إلى عدم التناسق ووجود أخطاء في التفكير ويسأل المريض عن مدى موافقته وفهمه لذلك
أما في الأسلوب الثاني فيكون الهدف من الأسئلة السوقراطية :
1- توجيه المريض إلى تفحص جوانب وضعها (المريض) خارج نطاق الفحص والتدقيق .
2- مساعدة المريض في اكتشاف خيارات وحلول لم يأخذها بعين الاعتبار من قبل .
3- تعويد المريض على التروي والتفكير وطرح الأسئلة (على نفسه) في مقابل الاندفاع التلقائي وتمكينه بذلك من البدء في تقويم اعتقاداته وأفكاره المختلفة بموضوعية.
ويعتبر الأسلوب الأول أقل فائدة من الأسلوب الثاني، لأن فيه انتهاك لقاعدة التجريبية التعاونية التي تعتبر من أساسيات العلاج المعرفي السلوكي، ولكن قد يضطر المعالج إلى استخدامه (والاستفادة منه) إذا لاحظ أن الأسئلة السوقراطية التي ترمي إلى أن يكتشف المريض بنفسه (الاكتشاف الموجه) المعلومات الغائبة عنه في الوقت الراهن ومن ثم يتفحص اعتقاداته في ضوء ما تم اكتشافه تحدث الأسئلة إرباك للمريض .
7- فنية الحوار الذاتي: Monologue Technique
ويكون الحوار الذاتي عن الأفكار الأساسية في النظرية المعرفية أن الإنسان يسلك بحسب ما يفكر، وفي ميدان ممارسة العلاج الذاتي ينصب جزء من دور المعالج على تدريب الأشخاص لتعديل مستوى أفكارهم التي تثير القلق والاكتئاب وعدم الثقة. إن الحوار مع النفس عند أي نشاط معين من شأنه أن ينبه الفرد إلى تأثير أفكاره السلبية على سلوكه، وحديث المرء مع نفسه وما يحويه من انطباعات وتوقعات عن المواقف التي تواجهه هو السبب في تفاعله المضطرب، ولهذا يعتمد المعالج المعرفي السلوكي على محاولة تحديد مضمون مثل هذا الحديث والعمل على تعديله كخطوة أساسية في مساعدة الفرد على التغلب على اضطرابه، خاصة المواقف التي تستثير القلق والاكتئاب.
8 - فنية التدريب على الاسترخاء Relaxation
لاشك أن الضغوط النفسية تعتبر آفة العصر وأنها تزداد يوما بعد يوم مما يجعلها تمثل حجر الزاوية في نشوء الاضطرابات النفسية، وبصفة خاصة مع ازدياد التقنية ومطالب الحياة وكذلك تشابك ظروف الحياة في عالمنا المعاصر .ولهذا فـان الاسترخاء يعتبر أمر مطلوب في حد ذاته في مواجهة الضغوط النفسية وما ينشأ من قلق أو مخاوف وتشتت وتزاحم في الأفكار، بل وما ينتج عن هذه الضغوط من اضطرابات نفسية (فسيولوجية) مثل قرحة المعدة وأمراض القلب بل أن بعض العلماء يُرجع مرض السرطان إلى هذه الضغوط ولهذا يحتاج المعالج أن يستخدم أسلوب الاسترخاء مع مرضاه في مرحله مبكرة جدًا. من العمل معهم لأنه يعمل على تهدئته الفرد، ومن أكثر طرق الاسترخاء شيوعا هي برامج العلاج التي طورها جاكوبسون.
ويعتبر عالم النفس الأمريكي Jacobsen من أوائل العلماء الذين بحثوا في تدريبات الاسترخاء وتطبيقاتها في مجال العلاج النفسي، وقد توصل إلى أن حالة الاسترخاء خبرة مضادة لحالة القلق والانفعالات الحادة، وتقوم الفكرة الأساسية لفنية الاسترخاء على أن الجسم في حالة القلق والانفعالات الحادة يتعرض لعمليتين هما الشد العضلي والتوتر النفسي، وتكون جميع عضلات الجسم مشدودة في درجة توازي التوتر النفسي الذي يكون عليه الإنسان في حالة القلق. وإذا تم إيقاف أو تحويل حالة التوتر والشد العضلي لجسم الإنسان إلى حالة من الاسترخاء، فإن التوتر النفسي لا يمكن أن يستمر على نفس الوضع، إنما يتحول إلى حالة من الاسترخاء مما يخفض درجة القلق عند الإنسان. وبذلك لا يكون الإنسان متوترًا جسميًا ومسترخيًا نفسيًا في آن واحد.
أو بمعنى آخر نستطيع أن نؤكد بوجود علاقة تلازمية قوية بين التوتر العضلي والتوتر النفسي لدى الإنسان، فإذا زال التوتر العضلي فإن التوتر النفسي يزول.ويعزز هذا المبدأ العلمي قول الرسول صلى الله عليه وسلم عن الغضب (( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع )). [رواه أبو داود]
فتحول الإنسان الغاضب "المتوتر" من وضع الوقوف إلى وضع الجلوس يعني تحول عضلاته نسبيًا من حالة الشد إلى حالة الاسترخاء، وبالتالي خفض حالة الغضب عنده.
وفي هذا الصدد يذكر كوتيلاً وجردون (Cautela, Groden, 1978) أنه إذا كنت تشعر بالتوتر أو العصبية، فإن هناك عضلات معينة في جسدك سوف تكون مشدودة في هذه اللحظة، وإذا استطعت تعلم تحديد هذه العضلات وطريقة استرخائها، فإنك تستطيع العمل على استرخائها مما يجعلك تشعر بحالة هدوء. وبذلك نجد أن عملية الاسترخاء يمكن أن تكون ضرورية لكثير من الناس سواء من الذين يعانون من مشكلات أو الذين لا يعانون من مشكلات أو اضطرابات نفسية.
فالإنسان المتوتر أكثر عرضة للقيام بسلوكيات غير مرغوبة بل قد تسبب له مشاعر سلبية مثل القلق، فالاسترخاء عامل عضلي نفسي يعمل على خفض التوتر، لأن الخبرة الذاتية لأي حالة من الحالات الوجدانية لها ارتباط بعملية تقلص العضلات التي ترافقها بشدة. بمعنى آخر إن هناك علاقة بين درجة التوتر العضلي وبين إدراك الفرد لحالته الانفعالية، فإذا زال التوتر العضلي فإن الإنسان تزول عنه حالة التوتر النفسي الوجداني، فعملية الاسترخاء تساعد على إطلاق التوتر والقلق، مما ينتج عنه توافق أفضل مع الموقف الذي سبب القلق، كما أن إطلاق التوتر العضلي يحسِّن قدرة الإنسان على الاستماع لما يقوله الآخرون والتفكير بشكل أفضل ومن ثم التفاعل مع الحدث بطريقة إيجابية