نحن شعب عجيب حقاً؛ نملك أرقى الجوالات، ونحمل أرقى الساعات، نعرف قيمة الزمان ، وأهمية الأوقات ، لكننا إلى يومنا هذا؛ نسقط الثواني، ولا نعترف بالدقائق، يعطي بعضنا المواعيد لكنهم لا يلتزمون بها، بل يثورون إذا لم يلتزم بها غيرهم، الإجازات عندنا طويلة، والفراغ لدينا واسع ؛ ومع ذلك لا نعرف طرق اغتنامه ، ولا نهتم بوسائل استثماره، الساعات ـ بل الأيام ـ تضيع منا ؛ في أمور لا جدوى منها، ولا قيمة فيها ،ولا طائل تحتها.
انظر إلى مرافقنا الحكومية ؛ الموسومة بالإنجازات المتواضعة، والجهود الضائعة، وما ذلك إلا بسبب إدارة الوقت لديها، فالمعاملات تسير فيها ببطء ممل، وروتين طويل، بينما يمكن إنجازها في دقائق معدودة ، فالقدرات موجودة، والإمكانيات متوفرة، إذا لماذا أجزاء الوقت عندنا ليس لها أهمية مادية، ولا قيمة معنوية؛ كحال الشعوب المتحضرة؟!
ومن الأمثلة على الوقت المهدر في إداراتنا: أن الحصول على تصريح بناء عمارة في جدة؛ يحتاج إلى أحد عشر شهراً على الأقل، إذا ما قيمة المؤهلات البشرية التي لديهم، وما جدوى المقومات التقنية التي يمتلكونها؟!
شاهد كذلك صنيعنا وتعاملاتنا في بحر الساعات، ومحيط الدقائق اليومية، الحال أليم، والوضع مشين؛ ففي أغلب مجالسنا ثرثرة فارغة، وأحاديث خاوية؛ لا تجد فيها حوارات هادفة، ولا مناقشات سامية، وهي التي يفترض استغلالها في طرح قضية، أو نشر معرفة، أو معالجة مشكلة.
إننا مع الأسف؛ نهوى الكسل، ونحب الخمول، ونعشق التسويف، ليس عندنا تخطيط سليم لساعات يومنا، ولا حرص شديد على إدارة حياتنا بشكل صحيح، وجدول ممنهج.
فيا اخواتي واخواني الكرام: الوقـتُ هو رأس المال، بل هو الحياة، والحياة دقائق وثوان ، والعمر إنما هو أيام، فإذا ذهب يومنا؛ ابتعدنا عن الدنيا، واقتربنا من الأجل ، فلماذا لا نكون كالعظماء والمبدعين والناجحين؛ الذين ملأوا أوقاتهم بالعلم والتنظيم، والجد والعمل .
ألا تعلم أننا نستطيع في زمن (الثانية الواحدة) ؛ أن نقوم بإنجازات عظيمة، وأعمال كثيرة، سواء دنيوية أم أخروية؟!، خذ منها: ذكر الله تعالى، قراءة صفحة من كتابه الكريم، مطالعة موضوع مفيد، الكتابة أو الحوار بكلام نافع جميل، أو دراسة فكرة، أو ممارسة هواية، أو تعلم صنعة ، أو إتقان مهارة، فهل نبدأ الآن بجدولة أوقاتنا، وتصحيح نشاطنا، واستثمار حياتنا الاستثمار الأمثل، والاستغلال الأفضل ؟!