حيانا قد يظن الإنسان أنه نسي حادثة معينة أو شخصا بعينه أو علاقة مرت به، وذلك عندما تمضي به الأيام لا يخطر شيء من الماضي على باله، لكنه قد يصحو يوما ليجد نفسه فجأة غارقا في عالم من التذكر والصور الماضية مما ظن أنه نسيه وغاب عنه إلى الأبد. فكيف يمكن تفسير هذا؟ كيف يمكن للذكريات أن تعود بعد أن ظل الإنسان زمنا لا يذكر شيئا منها؟
هل يمكن أن ننظر إلى الذكريات المنبعثة إلى الذاكرة، كما ننظر إلى الأفكار الواردة إلى العقل؟ فالأفكار الواردة إلى عقولنا كما يقول جون هربرت، أحد فلاسفة عصر النهضة الألمان المنتمين إلى المدرسة النفسية والمؤمن بتقسيم فرويد للعقل إلى منطقتي شعور ولا شعور، يقول إن الأفكار حين ترد إلى عقولنا تتصارع فيما بينها على احتلال منطقة لا شعور للبقاء فيها. وما كان منها الأقوى يبقى، أما الأضعف فيهبط إلى أسفل ليستقر في قاع الشعور. والأفكار تكتسب القوة أو والضعف من خلال العلاقات التي تربطها ببعضها البعض، فالأفكار التي تربط بينها علاقة تطابق، هي الأقوى يدعم بعضها بعضا وتبقى جميعها في منطقة الشعور، أما الأفكار التي بينها علاقة تضاد، فإن تضادها يضعفها ويسبب الصراع بينها على البقاء في منطقة الشعور وينتهي بالأضعف منها إلى الهبوط إلى قاع الشعور. بيد أن هبوط الأفكار إلى القاع، وإن أزاحها عن منطقة الشعور إلا أنه لا يعني فناءها، فهي تظل في حالة كمون وانتظار، تترقب ما يتدفق على الذهن من أفكار، ومتى وجدت فكرة تربطها بها علاقة تطابق، التحمت بها واستعادت قوتها وانطلقت صاعدة إلى منطقة الشعور.
هذا التفسير لتداعي الأفكار هل يصلح أيضا لتفسير تداعي الذكريات؟ هل حالة النسيان التي تصيب الإنسان لبعض ما مر به يمكن أن تفسر بمثل هذا؟ هل النسيان مجرد حالة (زحلقة) للذكريات مثل ما يحدث من (زحلقة) للأفكار؟ وهل الذكريات حين تختفي من أذهاننا تختفي من منطقة الشعور فقط، أي أن اختفاءها لا يعني فناءها مطلقا وإنما هي مثل الأفكار تغوص لتستقر في منطقة اللا شعور لتتحين لحظة الاستقواء فتقفز ثانية إلى منطقة الشعور.وإذا كان هربرت يعلل غوص الأفكار إلى قاع الشعور وكمونها هناك بسبب هزيمتها في صراعها مع أفكار أخرى أقوى منها، كيف يمكن تعليل غوص الذكريات إلى قاع الشعور؟ ما الذي يدفع بالذكريات إلى القاع؟ هل يحدث ذلك بطريقة مشابهة لما يحدث للأفكار؟ هل الذكريات تغوص إلى القاع حين تتصارع مع ذكريات أخرى أقوى منها؟ أم أن غوصها هو مجرد نفي متعمد لها من الإنسان نفسه؟ فالإنسان حين تزعجه ذكريات معينة وتنغص عليه صفو أيامه، يجد راحته في تعمد دفنها فيرسلها إلى قاع الشعور؟
أيا كان التعليل، فالنتيجة واحدة، الذكريات لا تموت، مهما ظن الإنسان أنه نسي وتخلص من ماض مؤلم يكرهه، أو أضاع ارتباطه بحياة حلوة سابقة، الذكريات قد تزول عن السطح لكنها لا تزول من أعماق النفس، وعندما يرد إلى الذهن أي رابط يتطابق معها، تنشط وتقفز حية كأنها ولدت للتو، قد تبعثها رائحة عطر، أو نغمة أغنية، أو طريق ممتد، أو صوت مطر، أو نقر طير، أو غيرها من الروابط الكثيرة التي تربط بين الأشياء في حياتنا.
المصدر: صحيفة عكاظ
هل يمكن أن ننظر إلى الذكريات المنبعثة إلى الذاكرة، كما ننظر إلى الأفكار الواردة إلى العقل؟ فالأفكار الواردة إلى عقولنا كما يقول جون هربرت، أحد فلاسفة عصر النهضة الألمان المنتمين إلى المدرسة النفسية والمؤمن بتقسيم فرويد للعقل إلى منطقتي شعور ولا شعور، يقول إن الأفكار حين ترد إلى عقولنا تتصارع فيما بينها على احتلال منطقة لا شعور للبقاء فيها. وما كان منها الأقوى يبقى، أما الأضعف فيهبط إلى أسفل ليستقر في قاع الشعور. والأفكار تكتسب القوة أو والضعف من خلال العلاقات التي تربطها ببعضها البعض، فالأفكار التي تربط بينها علاقة تطابق، هي الأقوى يدعم بعضها بعضا وتبقى جميعها في منطقة الشعور، أما الأفكار التي بينها علاقة تضاد، فإن تضادها يضعفها ويسبب الصراع بينها على البقاء في منطقة الشعور وينتهي بالأضعف منها إلى الهبوط إلى قاع الشعور. بيد أن هبوط الأفكار إلى القاع، وإن أزاحها عن منطقة الشعور إلا أنه لا يعني فناءها، فهي تظل في حالة كمون وانتظار، تترقب ما يتدفق على الذهن من أفكار، ومتى وجدت فكرة تربطها بها علاقة تطابق، التحمت بها واستعادت قوتها وانطلقت صاعدة إلى منطقة الشعور.
هذا التفسير لتداعي الأفكار هل يصلح أيضا لتفسير تداعي الذكريات؟ هل حالة النسيان التي تصيب الإنسان لبعض ما مر به يمكن أن تفسر بمثل هذا؟ هل النسيان مجرد حالة (زحلقة) للذكريات مثل ما يحدث من (زحلقة) للأفكار؟ وهل الذكريات حين تختفي من أذهاننا تختفي من منطقة الشعور فقط، أي أن اختفاءها لا يعني فناءها مطلقا وإنما هي مثل الأفكار تغوص لتستقر في منطقة اللا شعور لتتحين لحظة الاستقواء فتقفز ثانية إلى منطقة الشعور.وإذا كان هربرت يعلل غوص الأفكار إلى قاع الشعور وكمونها هناك بسبب هزيمتها في صراعها مع أفكار أخرى أقوى منها، كيف يمكن تعليل غوص الذكريات إلى قاع الشعور؟ ما الذي يدفع بالذكريات إلى القاع؟ هل يحدث ذلك بطريقة مشابهة لما يحدث للأفكار؟ هل الذكريات تغوص إلى القاع حين تتصارع مع ذكريات أخرى أقوى منها؟ أم أن غوصها هو مجرد نفي متعمد لها من الإنسان نفسه؟ فالإنسان حين تزعجه ذكريات معينة وتنغص عليه صفو أيامه، يجد راحته في تعمد دفنها فيرسلها إلى قاع الشعور؟
أيا كان التعليل، فالنتيجة واحدة، الذكريات لا تموت، مهما ظن الإنسان أنه نسي وتخلص من ماض مؤلم يكرهه، أو أضاع ارتباطه بحياة حلوة سابقة، الذكريات قد تزول عن السطح لكنها لا تزول من أعماق النفس، وعندما يرد إلى الذهن أي رابط يتطابق معها، تنشط وتقفز حية كأنها ولدت للتو، قد تبعثها رائحة عطر، أو نغمة أغنية، أو طريق ممتد، أو صوت مطر، أو نقر طير، أو غيرها من الروابط الكثيرة التي تربط بين الأشياء في حياتنا.
المصدر: صحيفة عكاظ