مقال اعجبني ..
لطالما شكل موضوع المرض وكيفيّة تجنّبه والمحافظة على صحة سليمة، هاجساً للناس يقلقهم ويقّض مضاجعهم. ما هو مصدر هذه الاوجاع؟ لماذا تصيب شخصاً وتغفل آخر؟ وهل للإنسان دورٌ فيما يصيبه؟ أسئلة طرحها الإنسان ولا يزال يبحث عن الإجابة.
لقد ساد الإعتقاد أن سبب أمراض الجسد هو الجسد نفسه فقط، أي أنها تنشأ في الجسد وتنتهي فيه. ومع تطور الطب، ظهرعلم الطب النفسي في بداية القرن العشرين والذي انطلق خارج نطاق المحسوس والملموس ليتناول تأثير النفس البشريّة وما تحويه من مشاعر وأحاسيس على الجسد، وتفاعلاتها في الكيان ككل. وقد أظهرت الأبحاث في هذا المضمار أن المرض ينشأ إما في النفس أو في الجسد، لتلغي بذلك الإعتقاد السابق بتفرّد الجسد كمصدر وحيد للأمراض. لكن العلوم الطبيّة لم تقف عند هذا الحد، بل أكملت البحث لتطال علاقة الفكر بالصحة. وقد أظهرت النتائج، مدى تأثير طبيعة الأفكار في الدماغ البشري على جهاز المناعة! ولعلّ هذا ما يُفسر تكاثر الأمراض لا سيما في المناطق حيث يتفشّى الجهل والركود الفكري نسبة الى المناطق التي يتمتع أهلها بنسبة لا بأس بها من الوعي.
فالعصبيّة على سبيل المثال، والتي يسببها التوتر والفوضى الفكريّة بالدرجة الأولى ترفع نسبة الكورتيزول والأدرينالين في الجسم مما يؤثر سلباً على جهاز المناعة. هذا والعدائيّة كإحدى حالات التفكير السلبي والرفضي، تزيد من إحتمال الإصابة بأمراض القلب أكثر من الكوليستيرول العالي أو التدخين أو الوزن الزائد!
نذكر هنا ما قاله الكاتب الإنكليزي المعروف جيمس آلين في كتابه "كما يفكّر الانسان" (As a Man Thinketh) أن الافكار المريضة تعبر عن نفسها بجسد مريض، كما وأن أفكار الخوف قادرة على قتل صاحبها بنفس سرعة الرصاصة!!!
وعلى العكس، فالإيجابيّة في التفكير تؤدي الى تحسّن جهاز المناعة عبر زيادة نسبة الخلايا المقاومة للفيروسات والأمراض في الدم، وهذا ما أكّدته دراسة قام بها الدكتور "ستيفين غرير" من جامعة “king’s college” في لندن. فالنساء اللواتي يعانين من سرطان الثدي ويتميّزن بروح المقاومة تعمرّن لفترة أطول من اللواتي يستسلمن للمرض.
والجدير بالذكر أنه تبيّن من خلال تجارب سريريّة، أن نسبة 30% (أو أكثر في بعض الأحيان) من المرضى يشفون لدى تناولهم أدويّة وهميّة تعرف بإسم “placebos”، ما يظهر أن إيمان المريض بالعلاج هو الدافع الرئيسي لشفائه!
يتبيّن لنا بأن علوم الطب النفسي والجسدي قد أظهرت العلاقة الوثيقة بين الفكر والصحة من خلال نتائج الإحصاءات والظواهر، لكنها لم تشرح آليّة حدوث مثل هذا التأثير، أي أنها أدركت النتيجة عبر ملاحظتها، لكن من دون أن تطال السبب. فلماذا لم تجد علوم الطب الحديث تلك الحلقة الناقصة بعد؟ هل لأن أبحاثها إقتصرت على دراسة ظواهر الأمور فحسب؟ وهل من علوم إستطاعت أن تتجاوز عتبة المادة لتبحث في اللامادة؟
هذا التساؤل هو ما دفعني للتقصي والبحث، حتى إهتديت الى إجابات مثيرة للاهتمام في مراجع الإيزوتيريك - علوم باطن الإنسان، وهي تدرس الإنسان بكل أبعاده، سائر مكوّناته ومكنوناته وآفاقه، بمجمل أسراره، مجاهله وبواطنه، وتضع أمام كل مريد تقنيّة "إعرف نفسك" في تطبيق عملي فيضحي الإنسان هو نفسه المُختبَر و المُختبِر وحقل الإختبار.
تنصّ علوم الإيزوتيريك وخصوصاً في كتاب "تعرّف الى فكرك" بقلم ج ب م، أن الفكر أساس كل شيء في حياة الإنسان، هو أساس حالة الإنسان الجسديّة والصحيّة والنفسيّة والعقليّة. فإن كان التفكير صحيحاً، سليماً وإيجابيّاً وتلازم مع تطابقه بالقول وتطبيقه بالفعل، عندها يشعر الإنسان بالإستقرار والسلام الداخلي، تهدأ المشاعر وتستكين الأحاسيس فيعمل الجهاز العصبي برتابة مريحة، ويشعر المرء بالنشاط الفكري، براحة البال والهناء مما سينعكس حتماً كصحّة جسديّة سليمة.
بالمقابل، فإن أسلوباً خاطئاً في التفكير يجعل المرء يعيش في حالة فكريّة سلبيّة تتّسم بالعشوائيّة والإضطراب فتنعكس حالة القلق والصراع الحاصل بين تصرفاته الفعليّة وما تقتضيه طبيعة تكوينه كإنسان من تصرف، تنعكس في بُعد المشاعر كخوف وقلق وإضطراب، وفي الجسد كخروج الجهاز العصبي عن إيقاعه المعهود ونقل إضطرابه وتشويشه للأعضاء الجسديّة. وبسبب هذا الإضطراب يشعر المرء بضيق في التنفس، أو بألم في المعدة، أو بإنقباض في منطقة الصدر، أو بصداعٍ في الرأس أو حتى بتسارع غير مريح في نبض القلب.
يستطيع القارىء أن يختبر ذلك إن هو حاول التفكير لفترة ربع ساعة في أمور تزعجه او أمور مقلقة كالهموم اليومية والمشاغل المعيشية... فهو سيشعر بما قد سبق ذكره من إضطراب وألم.
وإذا ما حاول المرء إزالة أو تناسي تلك الأفكار، فهو سيرتاح (مؤقتاً)، لكن الألم والإضطراب لن يزولا كليّاً إلا إن هو نظَّم وقته وأعماله، واجه مشاكله، ووجد لها حلاً أو أسلوباً إيجابياً للتعاطي معها.
لقد أسهبت علوم الإيزوتيريك في شرح العلاقة الوثيقة القائمة بين الفكر والصحّة من نواحيها كافة. خلاصة القول أن الفكر هو قائد عربة الجسم أي أنه الوحيد القادر على التحكم في النفس وفي الجسد. فتقويّة الفكر وتنقيّته من الشوائب والسلبيات تساعد الإنسان على تحقيق التوازن النفسي والجسدي وعلى تنظيم حياته أكان ذلك على صعيد المشاعر، فتتصف بالهدوء والسلام أم على صعيد الجسد عبر نظام غذائي متكامل يحصل من خلاله الجسد على الانواع والكميات الغذائيّة الضروريّة.
وهنا يطرح السؤال نفسه، ما هي الطريق الأسرع لتقويّة الفكر؟ كتاب "تعرف الى فكرك" يقدّم منهجيّة ’تفكير، تحليل، تمييز، إستنتاج‘، وكيفيّة تطبيقها للإفادة القصوى حياتيّاً. يذكر الكتاب أن كل حادثة وحدث أو واقع حياتي يجب أن يؤخذ كمسألة تستوجب التفكير والفهم والإستيعاب. كما أن كل دقيقة فراغ يجب أن تصبح وقتاً مخصصاً للتفكير والتمعّن والغوص في خفايا الأمور. ولا ينسى الكتاب أهمية دور المشاعر في حياة الفكر، وعلاقتهما كعاشقين متيَّميْن – وليس متخاصمين بعيديْن كما يُعرف عنهما – فالمشاعر هي التي تُدخل عنصر الشفافية إلى الفكر كوعي متطور إثر التجارب والإختبارات... والفكر هو الذي يُدخل النضج والرهافة إلى المشاعر كوعي حياتي وينعكس كل ذلك صحة على مستوى الجسد. لذا فإن التواصل بين الإثنين جوهري، وإلا جاء نتاج الفكر جافاً... وعبَّرت المشاعر عن سذاجة!
أنهي بالقول "الجسم السليم من العقل السليم" وقد إستبدلت علوم الإيزوتيرك بهذه العبارة ما قيل سابقاً "العقل السليم في الجسم السليم" للدلالة على أهميّة الفكر وعلى ضرورة صقله وتقويته وتشذيبه من السلبيات وتوجيهه في القنوات الإيجابيّة إن نحن أردنا لأنفسنا صحة نفسية وجسدية أفضل.
كاتب المقال ..
شربل معوض
www.esoteric-lebanon.org