إننا حينما نريد إنتاج سلعة ذائعة الصيت تمتلك علامة عالمية، أو نرغب في بناء مؤسسة ضخمة، أو نشرع في تأسيس مصنع كبير، فإننا لاشك ندرك حجم الجهد والكد والتعب والوقت الذي سوف يستغرقه هذا العمل ليخرج في صورته النهائية كما رسمت له من قبل.
فإن كان هذا العمل المادي يستغرق كل ذلك، فما بالك بصناعة هي أعظم وأجل من كل ذلك، ما بالك بصناعة الإنسان وتربيته، ذلك الإنسان الذي حباه الله عقلًا وعلمًا بهما فرش الأرض بالعمران وأنشأ المدن وطار في السماء، إنه مخلوق كريم خلقه ربه في أحسن تقويم، فليست إذًا قضية تربيته وصياغته الصياغة التربوية السديدة بالأمر الهين اليسير.
والعجيب أن ترى من الآباء والمعلمين من يستهين بقضية التربية، ويبخسها حقها ولا يعطيها إلا فضول الأوقات، غير مدركين لما تتطلبه من جهد وبذل وعناء وما تفتقر إليه من مهارات وخبارات.
(ومن هنا كانت التربية تستحق منا الاهتمام والاعتناء، فهي تستحق الاهتمام بتأصيل القضايا والأساليب التربوية، والاهتمام بالدراسات والبحوث، والاهتمام بالتثقيف والتوعية، والاهتمام بالتعليم والتدريب للمربين) [أهمية التربية، د. إبراهيم الدويش].
إلى مشاعل الخير
والحديث في هذه الصفحات موجه إلى مشاعل الخير والهدى إلى مصابيح الأمة، إلى شباب من أمتنا نبتوا نبتة طيبة سقيت بماء من الإيمان وهبت عليهم رياح برد وسلام من الدعوة فساقتهم إلى ميادين بذل وعطاء في ساحات أمتنا، ومن الله عليهم فجعلهم أسوة وقدوة ويبذلون جهدًا موفورًا في تربية الشباب وصياغتهم صياغة ربانية أصلها ثابت ثم تؤتي ثمارها يانعة بإذن ربها في السماء، فيخرج لنا شباب وأطفال في عقل الرجال ينفعون أمتهم ويحققون لها الآمال تلو الآمال، من خلال تربية واعية نتائجها رجال مازالت الأمة تبحث عنهم كما قال القائل:
ما زلت أبحث في وجوه الناس عن بعض الرجال عن عصبة يقفون في الأزمات كالشم الجبال
فإذا تكلمت الشفاه سمعت ميزان المقال وإذا تحركت الرجال رأيت أفعال الرجال
أما إذا سكتوا فأنظار لها وقع النبال يسعون جهدًا للعلا بل دائمًا نحو الكمال
يصلون للغايات لو كانت على بعد المحال ويحققون مفاخرًا كانت خيالًا في خيال
همم لهم تسمو إذا ما رامها نجم الشمال أفكارهم خطط تقود الكل نحو الاعتدال
لا يشتهون الدون أو أحوال أشباه الرجال بل يشتهون الخوض في حرب المداولة السجال
يتعشقون الموت في أوساط ساحات القتال ويرون أن الحر عبد إن توجه للضلال
من لي بفرد منهم ثقة ومحمود الخصال من لي به يا قوم إنهم ووجداني ثقال
سيقول بحثي إن سؤلي نادر صعب المنال فمن الذي يحمل معًا أوصافه هذي الخصال
لكن عذري أن في الدنيا قليلًا من رجال
والآن يا مشاعل الخير أبث إليكم تلك الكلمات التي ترسم لكم دور المربي والمعلم مع المتربين، كي تصبح التربية أكثر فاعلية وتأثيرًا في أوساط الطلاب والمتعلمين، ولما لما وأنت حاملو معاول البناء التربوي (فالمعلم هو أحد المكونات الرئيسية في العملية التربوية، والعامل المؤثر في جعلها كائنًا حيًا متطورًا وفاعلًا، وهو حجر الزاوية في تطويرها ويتوقف هذا الأثر على مدى كفايته ووعيه بعمله، وإخلاصه فيه) [المعلم ومهنة التعليم، أ.د.محمد أحمد كريم، (].
ماذا تنتظرون؟
وقبل أن نبدأ في ذكر نقاط عملية لابد وأن نكون أكثر واقعية ومحاكاة للواقع الذي نحياه، فنحن نعلم أن الحياة اليوم أصبحت أكثر صعوبة وتعقيدًا من ذي قبل، وأن الدور التربوي الذي تلعبه الأسرة ربما يكون ضعيفًا في كثير من الأحيان نظرًا لتشاغل الأب وانشغال الأم، أضف إلى ذلك أن كثيرًا من الأبناء يقضون أغلب أوقاتهم خارج البيت إما في دراسة أو مع الزملاء أو نادي .. إلخ، ومن ناحية أخرى لا يخفى علينا انفتاح الشباب والأبناء على العالم الخارجي الذي ربما يتقلبون بين ربوعه في ساعة واحدة، ومع كل ذلك لا يغيب عنا أن هذه البيئة بتلك الصورة التي طرحتها من الممكن أن تأتي معاكسة للمناخ التربوي الصحي والسليم، وغالبًا ما تكون كذلك.
إذًا أيها المربون، ويا أيها المعلمون ماذا تنتظرون، هل عساكم تنتظرون بذل وقت محدود أو الإلمام ببعض وسائل التربية المزجاة لقلتها وافتقارها إلى المنهجية؛ كي تعالجوا هذا الواقع التربوي لدى الشباب والناشئة، إن نظرة عاقل حصيف تقول لا: لا يستقيم الأمر هكذا، بل لابد إدراك أن هذا الجهد الذي تتطلبه التربية في واقعنا المعاصر لا يبدأ بمجرد توجيه وأمر ونهي لأولادنا، وممارسة الثواب والعقاب فحسب، إنما يتطلب أن نعد أنفسنا على الوجه الصحيح فنتعلم كيف نربي؟ ونكتسب الخبرات والمهارات التربوية التي نحتاجها لنقيم التربية بصورة صحيحة وفعالة.
وكي لا يجتر ما ذكرت من حال كثير من الناشئة والشباب حالة من يأس لا يرضاها صاحب قلب نابض بالإيمان، يحمل مشاعل التربية والإيمان ليضيء بها قلوب الناشئة والشبان نقول: (إننا حين نعي هذه الصعوبات والعقبات، ونعي أنّ الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وأنّ هذا الدين جاء خاتماً للأديان، وهذه الشريعة خاتمة للشرائع سنوقن أننا نستطيع أن نربي ناشئتنا على طاعة الله عزّ وجل في أيّ عصر ومصر، فما دمنا قد كُلفنا ذلك فنحن نطيقه، فإن الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، ولا يأمرنا إلا بما نستطيع: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16]، (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا) [الطلاق: 7] (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة: 286]، والفارق إنّما هو في حجم ونوع الجهد الذي نحتاج لبذله في ميدان التربية) [أهمية التربية، د. إبراهيم الدويش].
دورك أيها المربي:
وهنا نشير بصورة إجمالية لدور المربي مع المتربي، فهذا الدور الهام نستيطع أن نقول أنه يتمثل بصورة كبيرة في الإحاطة بأمور المتربي، والعمل الدءوب لبنائه والارتقاء به، مع مراقبته باستمرار للوقوف على مواطن الضعف والقوة، أجزاء السلبية والإجابية من الشخصية، بالإضافة إلى التقويم المستمر، وتتمثل التربية كذلك في توجيه المتربي وإعانته بصورة واقعية على حل مشكلاته العامة منها والخاصة دون إفراط ولا تفريط، ولا ننسى محاسبته مع التشجيع تارة عند الإنجاز والتقدم أو المعاتبة وما يشابهها من صور المجازاة عند الخطأ.
ومن هذا الكلام نخلص أن دور المربي مع المتربي يتمثل في خمسة أمور هي:
(القرب منه بروح المودة والإخاء والإحاطة بأموره أولًا بأول.
الاجتهاد في بنائه والارتقاء به.
توجيهه وإعانته على حل مشكلاته الخاصة والدعوية.
تقويمه من فترة لأخرى ومراقبة تطوره وتأثره وفقًا لما يبذل معه، مع مراجعة مدى تحقيق الجوانب الدالة على انتظام السير وسلامة البناء.
محاسبته ومناقشته للوقوف على مدى قيامه بما يطلب منه أو يوجه إليه مع مجازاته تبعًا لنشاطه أو تقصيره) [دور المربي في الدعوة الفردية، هشام بن عبد القادر آل عقدة، (5-6)].
والآن بعد إجمال هذه النقاط ندع المجال لما بقي من هذه الصفحات لتزيد لنا في الإيضاح والبيان على النحو التالي:
القرب والمودة:
(إن المعلم الكفء هو ذاك الإنسان الذي يستطيع الوصول إلى قلب المتربي قبل عقله، ويستحوذ على اهتمامه، حتى يستطيع أن يوصل الرسالة، بحيث يتم التفاعل الكامل معها، ويحدث الأثر المطلوب، الذي يترجمه المتربي إلى سلوك، ويتخذه عادة، ومن ثم يدخره خبرةً، فيحصل بذلك التغيير المنشود في السلوك والتفكير والمنهج.
إذًا أيها المعلم؛ لن تستطيع أن تحدث أثرًا سلوكيًا أو معرفيًا عند المتربي، ما لم تتمكن من استدرار حبه.
نحن بحاجة إلى معلم يمنح طلابه الحب ويعطف عليهم، بل ويتفجر كالنهر محبة لهم في كل موقف تعليمي، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده يوماً ثم قال: (يا معاذ: إني لأحبك .. ) [صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، (1596)][مقال بعنوان الطريق إلى قلب المتربي، موقع المربي].
فانظر إلى ينبوع الحب والحنان عليه الصلاة والسلام، كيف كان حبه ومودته لأصحابه رضوان الله عليهم، مع أنه صاحب الوحي والرسالة، فيكفيه ذلك لإقبال الناس عليه والجلوس بين يديه ينهلون مما علمه ربه، لكنه صلى الله عليه وسلم لم يبرح باب خير ومودة يعينه على أداء رسالته إلا وفتحه، ضاربًا لنا الأمثل والقدوة، لنسير خلفه حذو القذة بالقذة.
إذًا فتلقي العلم جزء يتفرع من المحبة، وإلا فكيف أعدل سلوكي وفقًا لآرائك، وأنا كاره لك، وكيف أتعلم منك، وأنا أتمنى البعد عنك؟!
فإن كان هذا العمل المادي يستغرق كل ذلك، فما بالك بصناعة هي أعظم وأجل من كل ذلك، ما بالك بصناعة الإنسان وتربيته، ذلك الإنسان الذي حباه الله عقلًا وعلمًا بهما فرش الأرض بالعمران وأنشأ المدن وطار في السماء، إنه مخلوق كريم خلقه ربه في أحسن تقويم، فليست إذًا قضية تربيته وصياغته الصياغة التربوية السديدة بالأمر الهين اليسير.
والعجيب أن ترى من الآباء والمعلمين من يستهين بقضية التربية، ويبخسها حقها ولا يعطيها إلا فضول الأوقات، غير مدركين لما تتطلبه من جهد وبذل وعناء وما تفتقر إليه من مهارات وخبارات.
(ومن هنا كانت التربية تستحق منا الاهتمام والاعتناء، فهي تستحق الاهتمام بتأصيل القضايا والأساليب التربوية، والاهتمام بالدراسات والبحوث، والاهتمام بالتثقيف والتوعية، والاهتمام بالتعليم والتدريب للمربين) [أهمية التربية، د. إبراهيم الدويش].
إلى مشاعل الخير
والحديث في هذه الصفحات موجه إلى مشاعل الخير والهدى إلى مصابيح الأمة، إلى شباب من أمتنا نبتوا نبتة طيبة سقيت بماء من الإيمان وهبت عليهم رياح برد وسلام من الدعوة فساقتهم إلى ميادين بذل وعطاء في ساحات أمتنا، ومن الله عليهم فجعلهم أسوة وقدوة ويبذلون جهدًا موفورًا في تربية الشباب وصياغتهم صياغة ربانية أصلها ثابت ثم تؤتي ثمارها يانعة بإذن ربها في السماء، فيخرج لنا شباب وأطفال في عقل الرجال ينفعون أمتهم ويحققون لها الآمال تلو الآمال، من خلال تربية واعية نتائجها رجال مازالت الأمة تبحث عنهم كما قال القائل:
ما زلت أبحث في وجوه الناس عن بعض الرجال عن عصبة يقفون في الأزمات كالشم الجبال
فإذا تكلمت الشفاه سمعت ميزان المقال وإذا تحركت الرجال رأيت أفعال الرجال
أما إذا سكتوا فأنظار لها وقع النبال يسعون جهدًا للعلا بل دائمًا نحو الكمال
يصلون للغايات لو كانت على بعد المحال ويحققون مفاخرًا كانت خيالًا في خيال
همم لهم تسمو إذا ما رامها نجم الشمال أفكارهم خطط تقود الكل نحو الاعتدال
لا يشتهون الدون أو أحوال أشباه الرجال بل يشتهون الخوض في حرب المداولة السجال
يتعشقون الموت في أوساط ساحات القتال ويرون أن الحر عبد إن توجه للضلال
من لي بفرد منهم ثقة ومحمود الخصال من لي به يا قوم إنهم ووجداني ثقال
سيقول بحثي إن سؤلي نادر صعب المنال فمن الذي يحمل معًا أوصافه هذي الخصال
لكن عذري أن في الدنيا قليلًا من رجال
والآن يا مشاعل الخير أبث إليكم تلك الكلمات التي ترسم لكم دور المربي والمعلم مع المتربين، كي تصبح التربية أكثر فاعلية وتأثيرًا في أوساط الطلاب والمتعلمين، ولما لما وأنت حاملو معاول البناء التربوي (فالمعلم هو أحد المكونات الرئيسية في العملية التربوية، والعامل المؤثر في جعلها كائنًا حيًا متطورًا وفاعلًا، وهو حجر الزاوية في تطويرها ويتوقف هذا الأثر على مدى كفايته ووعيه بعمله، وإخلاصه فيه) [المعلم ومهنة التعليم، أ.د.محمد أحمد كريم، (].
ماذا تنتظرون؟
وقبل أن نبدأ في ذكر نقاط عملية لابد وأن نكون أكثر واقعية ومحاكاة للواقع الذي نحياه، فنحن نعلم أن الحياة اليوم أصبحت أكثر صعوبة وتعقيدًا من ذي قبل، وأن الدور التربوي الذي تلعبه الأسرة ربما يكون ضعيفًا في كثير من الأحيان نظرًا لتشاغل الأب وانشغال الأم، أضف إلى ذلك أن كثيرًا من الأبناء يقضون أغلب أوقاتهم خارج البيت إما في دراسة أو مع الزملاء أو نادي .. إلخ، ومن ناحية أخرى لا يخفى علينا انفتاح الشباب والأبناء على العالم الخارجي الذي ربما يتقلبون بين ربوعه في ساعة واحدة، ومع كل ذلك لا يغيب عنا أن هذه البيئة بتلك الصورة التي طرحتها من الممكن أن تأتي معاكسة للمناخ التربوي الصحي والسليم، وغالبًا ما تكون كذلك.
إذًا أيها المربون، ويا أيها المعلمون ماذا تنتظرون، هل عساكم تنتظرون بذل وقت محدود أو الإلمام ببعض وسائل التربية المزجاة لقلتها وافتقارها إلى المنهجية؛ كي تعالجوا هذا الواقع التربوي لدى الشباب والناشئة، إن نظرة عاقل حصيف تقول لا: لا يستقيم الأمر هكذا، بل لابد إدراك أن هذا الجهد الذي تتطلبه التربية في واقعنا المعاصر لا يبدأ بمجرد توجيه وأمر ونهي لأولادنا، وممارسة الثواب والعقاب فحسب، إنما يتطلب أن نعد أنفسنا على الوجه الصحيح فنتعلم كيف نربي؟ ونكتسب الخبرات والمهارات التربوية التي نحتاجها لنقيم التربية بصورة صحيحة وفعالة.
وكي لا يجتر ما ذكرت من حال كثير من الناشئة والشباب حالة من يأس لا يرضاها صاحب قلب نابض بالإيمان، يحمل مشاعل التربية والإيمان ليضيء بها قلوب الناشئة والشبان نقول: (إننا حين نعي هذه الصعوبات والعقبات، ونعي أنّ الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وأنّ هذا الدين جاء خاتماً للأديان، وهذه الشريعة خاتمة للشرائع سنوقن أننا نستطيع أن نربي ناشئتنا على طاعة الله عزّ وجل في أيّ عصر ومصر، فما دمنا قد كُلفنا ذلك فنحن نطيقه، فإن الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، ولا يأمرنا إلا بما نستطيع: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16]، (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا) [الطلاق: 7] (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة: 286]، والفارق إنّما هو في حجم ونوع الجهد الذي نحتاج لبذله في ميدان التربية) [أهمية التربية، د. إبراهيم الدويش].
دورك أيها المربي:
وهنا نشير بصورة إجمالية لدور المربي مع المتربي، فهذا الدور الهام نستيطع أن نقول أنه يتمثل بصورة كبيرة في الإحاطة بأمور المتربي، والعمل الدءوب لبنائه والارتقاء به، مع مراقبته باستمرار للوقوف على مواطن الضعف والقوة، أجزاء السلبية والإجابية من الشخصية، بالإضافة إلى التقويم المستمر، وتتمثل التربية كذلك في توجيه المتربي وإعانته بصورة واقعية على حل مشكلاته العامة منها والخاصة دون إفراط ولا تفريط، ولا ننسى محاسبته مع التشجيع تارة عند الإنجاز والتقدم أو المعاتبة وما يشابهها من صور المجازاة عند الخطأ.
ومن هذا الكلام نخلص أن دور المربي مع المتربي يتمثل في خمسة أمور هي:
(القرب منه بروح المودة والإخاء والإحاطة بأموره أولًا بأول.
الاجتهاد في بنائه والارتقاء به.
توجيهه وإعانته على حل مشكلاته الخاصة والدعوية.
تقويمه من فترة لأخرى ومراقبة تطوره وتأثره وفقًا لما يبذل معه، مع مراجعة مدى تحقيق الجوانب الدالة على انتظام السير وسلامة البناء.
محاسبته ومناقشته للوقوف على مدى قيامه بما يطلب منه أو يوجه إليه مع مجازاته تبعًا لنشاطه أو تقصيره) [دور المربي في الدعوة الفردية، هشام بن عبد القادر آل عقدة، (5-6)].
والآن بعد إجمال هذه النقاط ندع المجال لما بقي من هذه الصفحات لتزيد لنا في الإيضاح والبيان على النحو التالي:
القرب والمودة:
(إن المعلم الكفء هو ذاك الإنسان الذي يستطيع الوصول إلى قلب المتربي قبل عقله، ويستحوذ على اهتمامه، حتى يستطيع أن يوصل الرسالة، بحيث يتم التفاعل الكامل معها، ويحدث الأثر المطلوب، الذي يترجمه المتربي إلى سلوك، ويتخذه عادة، ومن ثم يدخره خبرةً، فيحصل بذلك التغيير المنشود في السلوك والتفكير والمنهج.
إذًا أيها المعلم؛ لن تستطيع أن تحدث أثرًا سلوكيًا أو معرفيًا عند المتربي، ما لم تتمكن من استدرار حبه.
نحن بحاجة إلى معلم يمنح طلابه الحب ويعطف عليهم، بل ويتفجر كالنهر محبة لهم في كل موقف تعليمي، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده يوماً ثم قال: (يا معاذ: إني لأحبك .. ) [صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، (1596)][مقال بعنوان الطريق إلى قلب المتربي، موقع المربي].
فانظر إلى ينبوع الحب والحنان عليه الصلاة والسلام، كيف كان حبه ومودته لأصحابه رضوان الله عليهم، مع أنه صاحب الوحي والرسالة، فيكفيه ذلك لإقبال الناس عليه والجلوس بين يديه ينهلون مما علمه ربه، لكنه صلى الله عليه وسلم لم يبرح باب خير ومودة يعينه على أداء رسالته إلا وفتحه، ضاربًا لنا الأمثل والقدوة، لنسير خلفه حذو القذة بالقذة.
إذًا فتلقي العلم جزء يتفرع من المحبة، وإلا فكيف أعدل سلوكي وفقًا لآرائك، وأنا كاره لك، وكيف أتعلم منك، وأنا أتمنى البعد عنك؟!